فصل: سورة المنافقون:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.سورة الصف:

.تفسير الآيات (2- 4):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}
{لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} في سببها ثلاثة أقوال: أحدها قول ابن عباس: أن جماعة قالوا: وددنا أن نعرف أحب الأعمال إلى الله فنعمله، ففرض الله الجهاد فكرهه قوم فنزلت الآية والآخر أن قوماً من شبان المسلمين كانوا يتحدثون عن أنفسهم في الغزو بما لم يفعلوا، ويقولون فعلنا وصنعنا وذلك كذب، فنزلت الآية زجراً لهم. والثالث أنها نزلت في المنافقين، لأنهم كانوا يقولون للمؤمنين: نحن معكم ومنكم ثم يظهر من أفعالهم خلاف ذلك وهذا ضعيف، لأنه خاطبهم بقوله: {ياأيها الذين آمَنُواْ} إلا أن يريد أنهم آمنوا بزعمهم، وفيما يُظهِرون. ومع ذلك فحكم الآية على العموم في زجر من يقول ما لا يفعل {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} كان بعض السلف يستحي أن يعظ الناس لأجل هذا الآية ويقول: أخاف من مقت الله، والمقت هو البغض لريبة أو نحوها، وانتصب مقتاً على التمييز وأن تقولوا فاعل، وقيل: فاعل كبر محذوف تقديره: كبر فعلكم مقتاً وأن تقولوا بدل من الفاعل المحذوف أو خبر ابتداء مضمر {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} ورود هذه الآية هنا دليل على أن الآية التي قبلها في شأن القتال، وقال بعض الناس: قتال الرجالة أفضل من قتال الفرسان، لأن التراص فيه يتمكن أكثر مما يتمكن للفرسان. قاله ابن عطية وهذا ضعيف، خفي على قائله مقصد الآية، وليس المراد نفس التراص، وإنما المراد الثبوت والجد في القتال {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} المرصوص هو الذي يُضم بعضُه إلى بعض. وقيل: هو المعقود بالرصاص ولا يبعد أن يكون هذا أصل اللفظ.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)}
{وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ ياقوم لِمَ تُؤْذُونَنِي} كانوا يؤذونه بسوء الكلام ويعصيانه وتنقيصه وانظر في الأحزاب {لاَ تَكُونُواْ كالذين آذَوْاْ موسى} [الأحزاب: 69] {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ} هذا إقامة حجة عليهم وتوبيخ لهم، وتقبيح لإذايته مع علمهم بأنه رسول الله، ولذلك أدخل قد الدالة على التحقيق {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} هذه عقوبة على الذنب بذنب، وزيغ القلب هو ميله على الحق.

.تفسير الآيات (6- 7):

{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)}
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يابني إِسْرَائِيلَ} إنما ق لموسى يا قوم، وقال عيسى يا بني إسرائيل، لأنه لم يكن له فيهم أب {مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة} معناه مذكور في [الأحزاب: 41] في قوله مصدقاً لما معكم {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ} عن كعب أن الحواريين قالوا لعيسى: يا روح الله هل بعدنا من أمة؟ قال: نعم أمة أحمد حكماء علماء أتقياء أبرار {اسمه أَحْمَدُ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لي خمسة أسماء: أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الله الناس على قدمي وأنا العاقب فلا نبي بعدي» وأحمد مشتق من الحمد، ويحتمل أن يكون فعلاً سمي به، أو يكون صفة سمي بها كأحمد، ويحتمل أن يكون بمعنى حامد أو بمعنى محمود كمحمد {فَلَمَّا جَاءَهُم بالبينات} يحتمل أن يريد عيسى أو محمداً عليهما الصلاة والسلام ويؤيد الأول اتصاله بما قبله، ويؤيد الثاني قوله: وهو {يدعى إِلَى الإسلام} لأن الداعي إلى الإسلام هو محمد صلى الله عليه وسلم.

.تفسير الآية رقم (8):

{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)}
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله} ذكر في [التوبة: 32].

.تفسير الآيات (11- 13):

{تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}
{تُؤْمِنُونَ بالله} الآية تفسير للتجارة المذكورة، قال الأخفش: هو عطف بيان عليها {يَغْفِرْ لَكُمْ} جزم في جواب تؤمنون لأنه بمعنى الأمر، وقد قرأه ابن مسعود آمنوا وجاهدوا على الأمر؛ لأنه يقتضي التحضيض {وأخرى تُحِبُّونَهَا} ارتفع أخرى على أنه ابتداء مضمر تقديره: ولكم نعمة أخرى، أو انتصب على أنه مفعول بفعل مضمر تقديره: ويمنحكم أخرى {نَصْرٌ مِّن الله} تفسير لأخرى فهو بدل منها {وَبَشِّرِ المؤمنين} قال الزمخشري عطف على تؤمنون بالله؛ لأنه في معنى الأمر.

.تفسير الآية رقم (14):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)}
{كونوا أَنصَارَ الله} جمع ناصر وقد غلب اسم الأنصار على الأوس والخزرج، سماهم الله به وليس ذلك المراد هنا {كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ} هذا التشبيه محمول على المعنى لأن ظاهره: كونوا أنصار الله كقول عيسى، والمعنى: كونوا أنصار الله كما قال الحواريون حين قال لهم عيسى: من أنصاري إلى الله وقد ذكر في [آل عمران: 52] معنى الحواريين وأنصاري إلى الله {فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ} قيل: إنهم ظهروا بالحجة، وقيل: إنهم غلبوا الكفار بالقتال بعد رفع عيسى عليه السلام، وقيل: إن ظهور المؤمنين منهم هو بمحمد صلى الله عليه وسلم.

.سورة الجمعة:

.تفسير الآيات (1- 4):

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)}
{القدوس} ذكر في [الحشر: 24] {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ} يعني سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم، والأميين: هم العرب، وقد ذكر معنى الأمي في [الأعراف: 157] {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} عطفاً على الأميين، وأراد بهؤلاء فارس «وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء الآخرون فأخذ بيد سليمان الفارسي، وقال: لو كان العلم بالثريا لناله رجال من هؤلاء» يعني فارس، وقيل: هم الروم، و{مِنْهُمْ} على هذين القولين، يريد به في البشرية وفي الدين، لا في النسب. وقيل؛ هم أهل اليمن وقيل: التابعون، وقيل: هم سائر المسلمين، والأول أرجح لوروده في الحديث الصحيح {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} أي لما يلحقوا بهم بالنفي وسيلحقون، وذلك أن {لَمَّا} لذكر الماضي القريب من الحال {ذَلِكَ فَضْلُ الله} إشارة إلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهداية الناس به.

.تفسير الآيات (5- 6):

{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)}
{مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة} يعني اليهود ومعنى حملوا التوراة كلفوا العمل بها والقيام بأوامرها ونواهيها {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} لم يطيعوا أمرها ولم يعملوا بها، شبههم الله بالحمار الذي يحمل الأسفار على ظهره، ولم يدر ما فيها {بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله} يعني اليهود الذين كذبوا سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم وهم الذين حملوا التوراة ولم يحملوها؛ لأن التوراة تنطق بنبوته صلى الله عليه وسلم، فكل من قرأها ولم يؤمن به فقد خالف التوراة {فَتَمَنَّوُاْ الموت} ذكر في [البقرة: 94].

.تفسير الآيات (9- 10):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)}
{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة فاسعوا إلى ذِكْرِ الله} النداء للصلاة هو الأذان لها، ومن في قوله: {مِن يَوْمِ الجمعة} لبيان إذا، وتفسير له، وذكر الله: يراد به الخطبة والصلاة، ويتعلق بهذه الآية ثمان مسائل: الأولى اختلف في الأذان للجمعة هل هو سنة كالأذان لسائر الصلوات؟ أو واجب لظاهر الآية لأنه شرط في السعي لها أن يكون عند الأذان، والسعي واجب فالأذان واجب. الثانية كان الأذان للجمعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على جدار المسجد وقيل: على باب المسجد وقيل: كان بين يديه صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، وقد كان بنو أمية يأخذون بهذا، وبقي بقرطبة زماناً وهو باق في المشرق إلى الآن. قال أبو محمد بن الفرس: قال مالك في المجموعة إن هشام بن عبد الملك هو الذي أحدث الأذان بين يديه قال: وهذا دليل على أن الحديث في ذلك ضعيف. الثالث كان الأذان للجمعة واحداً ثم زاد عثمان رضي الله عنه النداء على الزوراء ليسمع الناس. واختلف الفقهاء هل المستحب أن يؤذن فيها اثنان أو ثلاثة: الرابعة: السعي في الآية بمعنى المشي لا بمعنى الجري، وقرأ عمر بن الخطاب: فامضوا إلى ذكر الله وهذا تفسير للسعي، فهو بخلاف السعي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نودي للصلاة فلا تأتونها وأنتم تسعون. الخامسة: حضور الجمعة واجب، لحمل الأمر الذي في الآية على الوجوب باتفاق، إلا أنها لا تجب على المرأة ولا على الصبي ولا على المريض باتفاق، ولا على العبد والمسافر عند مالك والجمهور؛ خلافاً للظاهرية. وتعلقوا بعموم الآية وحجة الجمهور قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجمعة واجبة على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض وحجتهم في المسافر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقيم الجمعة في السفر، واختلف هل تسقط الجمعة بسب المطر أم لا؟ وهل يجوز للعروس التخلف عنها أم لا، والمشهور أنها لا تتتسقط عنه لعموم الآية، السادسة: اختلف متى يتعين الإقبال إلى الصلاة؟ فقيل: إذا زالت الشمس، وقيل: إذا أذن المؤذن وهو ظاهر الآية، السابعة: اختلف في الموضع الذي يجب منه السعي إلى الجمعة. فقيل: ثلاثة أميال وهو مذهب مالك، وقيل: ستة أميال وقيل: على من كان داخل المصر، وقيل: على من سمع النداء، وقيل: على من آواه الليل إلى أهله، الثامنة: اختلف في الوالي هل هو من شرط الجمعة أم لا؟ على قولين، والمشهور سقوطه لأن الله لم يشترطه في الآية.
{وَذَرُواْ البيع} أمر بترك البيع يوم الجمعة إذا أخذ المؤذنون في الأذان، وذلك على الوجوب، فيقتضي تحريم البيع، واختلف في البيع الذي يعقد في ذلك الوقت هل يفسخ أم لا؟ واختلف في بيع من لا تلزهم الجمعة من النساء والعبد هل يجوز في ذلك الوقت أم لا؟ والأظهر جوازه؛ لأنه إنما منع منه من يدعى إلى الجمعة {فانتشروا فِي الأرض} هذا الأمر للإباحة باتفاق، وحكى الإجماع على ذلك ابن عطية وابن الفرس {وابتغوا مِن فَضْلِ الله واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قيل: معناه طلب المعاش، فالأمر على هذا للإباحة، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الفضل المبتغى عيادة مريض أو صلة صديق أو اتباع جنازة» وقيل: هو طلب العلم. وإن صح الحديث لم يعدل إلى سواه.

.تفسير الآية رقم (11):

{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}
{وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا} «سبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائماً على المنبر يخطب يوم الجمعة، فأقبلت عير من الشام بطعام، وصاحب أمرها دحية بن خليفة الكلبي، وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والصياح سروراً بها، فلما دخلت العير كذلك انفض أهل المسجد إليها، وتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر، ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً. قال جابر بن عبد الله: أنا أحدهم» وذكر بعضهم أن منهم العشرة المشهود لهم بالجنة، واختلف في الثاني عشر، فقيل: عبد الله بن مسعود، وقيل: عمار بن ياسر، وقيل: إنما بقي معه صلى الله عليه وسلم ثمانية وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال لهؤلاء: لقد كانت الحجارة سُوِّمت في السماء على المنفضين. وظاهر الآية يقتضي أن الجماعة شرط من الجمعة وهو مذهب مالك والجمهور، إلا أنهم اختلفوا في مقدار الجماعة الذي تنعقد بهم الجمعة؟ فقال مالك: ليس في ذلك عدد محدود، وإنما هم جماعة تقوم بهم قرية. وروى ابن الماجشون عن مالك ثلاثون. وقال الشافعي: أربعون. وقال أبو حنيفة: ثلاثة مع الإمام وقيل: اثنا عشر عدد الذي بقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: لم قال انفضوا إليها بضمير المفرد وقد ذكر التجارة واللهو؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أنه أراد انفضوا إلى اللهو وانفضوا إلى التجارة، ثم حذف أحدهما لدلالة الآخرة عليه. قاله الزمخشري. والآخر أنه قال ذلك مهتماً بالتجارة إذ كانت أهم، وكانت هي سبب اللهو، ولم يكن اللهو سببها، قاله ابن عطية.
{وَتَرَكُوكَ قَآئِماً} اختلفوا في القيام في الخطبة هل هو وجب أم لا؟ وإذ قلنا بوجوبه فهل هو شرط فيها أم لا؟ فمن أوجبه واشترطه أخذ بظاهر الآية من ذكر القيام. ومن لم يوجبه رأى أن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لم يكن على الوجوب. ومذهب مالك أن من سنة الخطبة الجلوس قبلها والجلوس بين الخطبتين، وقال أبو حنيفة: لا يجلس بين الخطبيتن لظاهر الآية وذكر القيام فيها دون الجلوس، وحجة مالك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم {قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة} إن قيل: لم قدم اللهو هنا على التجارة وقدم التجارة قبل هذا على اللهو؟ فالجواب: أن كل واحد من الموضعين جاء على ما ينبغي فيه؛ وذلك أن العرب تارة يبتدئون بالأكثر ثم ينزلون إلى الأقل كقولك: فلان يخون في الكثير والقليل فبدأت بالكثير ثم أردفت عليه الخيانة فيما دونه، وتارة يبتدئون بالأقل ثم يرتقون إلى الأكثر كقولك: فلان أمين على القليل والكثير فبدأت بالقليل ثم أردفت عليه الأمانة فيما هو أكثر منه، ولو عكست في كل واحد من المثالين لم يكن حسناً؛ فإنك لو قدمت في الخيانة القليل لعلم أنه يخون في الكثير.
من باب أولى وأحرى، ولو قدمت في الأمانة ذكر الكثير لعلم أنه أمين في القليل من باب أولى وأحرى، فلم يكن لذكره بعد ذلك فائدة وكذلك قوله: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا}. قدم التجارة هنا ليبين أنهم ينفضون إليها، وأنهم مع ذلك ينفضون إلى اللهو الذي هو دونها وقوله: {خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة} قدم اللهو ليبين أن ما عند الله خير من اللهو، وأنه أيضاً خير من التجارة التي هي أعظم منه، ولو عكس كل واحد من الموضعين لم يحسن.

.سورة المنافقون:

.تفسير الآيات (1- 3):

{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)}
{إِذَا جَآءَكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} كانوا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فلذلك كذبهم الله بقوله: {والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين} أي كذبوا في دعواهم الشهادة بالرسالة، وأما قوله: {والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} فليس من كلام المنافقين، وإنما هو من كلام الله تعالى، ولو لم يذكره لكان يوهم أن قوله: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون إبطال للرسالة، فوسطه بين حكاية المنافقين وبين تكذيبهم ليزيل هذا الوهم وليحقق الرسالة، وعلى هذا ينبغي أن يوقف على قوله: لرسول الله {جُنَّةً} ذكر في [المجادلة: 16] {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا} الإشارة إلى سوء عملهم وفضيحتهم وتوبيخهم، وأما قوله: آمنوا ثم كفروا فيحتمل وجهين: أحدهما أن يكون فيمن آمن منهم إيماناً صحيحاً ثم نافق بعد ذلك، والآخر أن يريد آمنوا في الظاهر كقوله: إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا [البقرة: 14].